الجمعة، 8 مايو 2020

نظرية التسبيح في القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

                              نظرية التسبيح في القرآن الكريم 

تاليف : د /عصام فوزي الجبال


Nazariyat al-tasbih fi al-Qur'an al-karim
نظرية التسبيح في الفران الكريم
Nazariyat al-tasbih fi al-Qur'an al-karim

المقدمة

ان فكرة هذا المشروع "  نظرية التسبيح في القرآن الكريم" تبلورت  لدي منذ أمد بعيد ، وذلك عندما وقفت طويلا امام مصطلح - أو بشكل أدق قول- " سبحان الله"  والذي يستعمله المسلمون بشكل يومي ، دون الغوص في مضمونه وجوهره ودلالته العميقة ، وقد شكل هذا القول لدي التباسا عميقا   ووضعني امام سؤال  محير، هل من المعقول ان يتمحور مفهوم التسبيح كما اقره المفسرون من السلف الصالح حول تنزيه الله عن ما لا يليق  ؟  والعجيب ان مصطلح " سبحان الله"   لا يخضع إلى أي قول  سابق ، و لم تعرفه الحضارة الانسانية من قبل ،  وله وقع لغوي معجز ، ولا يمكن للسان قوله ألااذا  قرن بسم الله،  وليس من صفات الله،  ولا من سماته، ولا أسمائه،  ولا يمكن ان يطلق إلا عليه Y .
وقد زاد من حيرتي الآية 44 من سورة الإسراء  والآية 144 من سورة الحشر الكريمة قال تعالى : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَان مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ انهُ كَان حَلِيماً غَفُوراً } الإسراء44{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }الحشر 144 تبين الآية الكريمة  من سورة الإسراء ان الوجود بكليته وشموليته يسبح لله تعالى {وَان مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ}  وكذلك في سورة الحشر ، قال تعالى{ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} ، ولا يمكن ان تكون الأشياء تسبح من خلال تنزيه لله عن ما لا يليق، لان هذا التنزيه خاص بالعاقل ، فكيف لغير العاقل ان ينزه لله عقلا عن ما لا يليق ؟ وللإجابة عن هذا التساؤل ظهرت فكرة هذا الكتاب،  وعندما بدأت أغوص في البحث عن آليات تسبيح الأشياء ، انطلاقا من القاعدة المعرفية  والعلمية المعاصرة وجدت نفسي امام معضلة حقيقية ، وهي ان هذا الموضوع لم يتطرق له إلا القلة القليلة من علماء المسلمين ، والسبب في هذه المعضلة يعود إلى ان معظم السلف الصالح من العلماء المسلمين وحتى  المعاصرين منهم ، ركزوا في بحوثهم ودراساتهم على الاحكام  والتشريع والفقه، أي على رسالة سيدنا محمد r تاركين النبوة -وهناك فرق شاسع بين المفهومين- ، والملفت للنظر ان الذين اهتموا ، بنبوة سيدنا محمد e هي مراكز و معاهد البحوث العلمية والجامعات في العالم ، معتبرين ان  نبوة النبي محمد r هي قوانين الحقيقة الموضوعية ، أي تحوي مجمل القوانين الناظمة للوجود المدرك وغير المدرك لدى الانسان، وهذه النبوة  ما تهتم به المعاهد والجامعات وما بحث فيه كل فلاسفة العالم قاطبة ابتداء من أرسطو وأفلاطون مرورا بكانت وانجلز وهيجيل وديكارت، وهذه هي الناحية بالضبط التي تم إغفالها عندما وضعت قواعد التأويل ، وقد فوجئت عندما علمت ان العلماء الغربيين ، يأخذون من القرآن    الآيات و ويفسرونها ويقومون بمطابقتها مع الحقيقة الموضوعية  (إبصارها) أي مطابقتها مع العقل واستنتاج قانون مجرد قابل للإبصار منها ويقومون بتطبيقه  فيما بعد. وهناك مثال صارخ على ذلك ،  وهو ما طرحه فلاسفة العالم عن مصطلح الجدل الفكري ، فمصطلح الجدل هو مصطلح قرآني بحت لانه لا يخص الفكر وحده ولكنه في القرآن    الكريم يخص الوجود ككل قال تعالى :  {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا القرآن    لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَان الْانسَان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }الكهف54{وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }الزخرف58
نلاحظ ان القرآن    الكريم قال { أَكْثَرَ شَيْءٍ } ٍ أي ان كل شيء في الوجود فيه جدل وهو ما يعرف في الأواسط العلمية  بالتناقض والأضداد ، اما في سورة الزخرف فقد تطرق إلى الجدل الفكري كما تبين الآية الكريمة ، وهنا نقول انه ومنذ بداية التاريخ تبنى المفكرون بالشرق والغرب مصطلح الجدل بشقيه الفكري والعلمي ، وعندما ينطق به أي من علماء المسلمين وخاصة مع تبني الفكر الماركسي له مع بداية القرن العشرين ، في كثير من الأحيان يتهم  بالإلحاد والزندقة مع انه تعبير قرآني أصيل وقد ذكر هذا المصطلح في  القرآن    الكريم 20 مرة ، وهذا ما حصل أيضا مع مصطلح الشيء وهذا المصطلح له دلالة علمية متعارف عليها وهي المادة ومع ذلك يتحاشى المفكرون الإسلاميون استعمال مصطلح المادة لنفس السبب مع ان هذا المصطلح " الشيء " مذكور في القرآن   192 مره0 
القارئ الكريم : قبل الدخول في محتوى  الأبواب  والفصول الواردة في  كتابي هذا فانني ارجو من القارىء الكريم:
ان يستكمل قراءة الكتاب من البداية للنهاية وان يحاول التكرار في حال تعذّر عليه فهم القصد من هذا البند أو تلك الجملة  ، ذلك لان الكتاب يحوي في طياته حلا  جذريا معرفيا ينهي الالتباس الحاصل في المفاهيم والمصطلحات التي وردت في المصحف الشريف ، هذا الالتباس الذي أدى إلى مواقف فكرية تراثية وسياسية في بعض الأحيان ، تقوم على كيل الاتهامات بالكفر والإلحاد والزندقة والجبرية والقدرية ، لهؤلاء أو هؤلاء وكل هذا يقع فيه المسلم في مواجهة الفكر المعاصر علما بان معظم الأفكار المعرفية  المعاصرة لا تتناقض مع الفكر الإسلامي ولكنها تجهله،  وقد كنا وللأسف جزءً من عملية التجهيل عندما ركزنا على الرسالة المحمدية متجاهلين نبوته  rكما أسلفنا ،  ان الفكر الانساني على مر العصور حمل في طياته الغث والثمين وفيه الحق والباطل والوهم والحقيقة ، وقد كرمنا الله U بسلاح يحمل الأجوبة الشافية على هذا الالتباس الحاصل في هذا الفكر، ولكن هذا السلاح يتطلب رؤية جديدة تستطيع ان تتعامل مع مفردات العصر دون خوف أو وجل أو هروب نحو الغيبية في  مواجهة الواقع المعاصر، وذلك لاننا  نملك الإجابة الواقعية المدركة و الحتمية عن كل التساؤلاتاذا نظرنا بإمعان وتفحص إلى الدلالات الروحية والعلمية والفلسفية والمعرفية والتاريخية للقرآن الكريم بتجرد من العواطف الجياشة والاحكام  المسبقة  0  
القارئ الكريم:
 يحتوي هذا الكتاب بين طياته ثلاثة أبواب  وملحق وللتسهيل على القارئ سنقدم  مختصرا مفيدا قدر الإمكان في هذه المقدمة ليتسنى له الإطلالة العامة على كل باب وفصل ومبحث ، ونبدأ من  الباب الأول  
   الباب الأول:  
يتضمن أربعة فصول الفصل الأول  بعنوان شروح في المصطلحات وهو يتطرق إلى نظرة جديدة لكثير من المفاهيم والمصطلحات التي يحتويها المصحف الشريف بين دفتيه وهي  ثلاثة عشر مصطلحا (مفاهيم)  "الكتاب" ، " الآيات المحكمات " ، "القرآن   " ، "الامام المبين" ، "كلمات الله " ،"الآيات البينات" ، "البصائر" ، "السبع المثاني" ، "الكتاب المبارك ،" القرآن    كحديث"،" القصص" ، "الفرقان"،  "والذكر" 0  وسيلاحظ القارئ انه وفي سياق التطرق إلى هذه المفاهيم سيتعرف إلى مفاهيم أخرى مثل: الرسالة ، النبوة الحق، التشابه ، القول الكلام وهكذا...ان فهم هذه المفاهيم يخدم النهج والنسق والأسلوب المتبع في هذا المشروع، لان استيعاب هذه المصطلحات يشكل رافعة معرفية ضرورية تؤدي إلى فهم أكثر عمقا وشمولية لجوهر نظرية التسبيح في القرآن    الكريم0
الفصل الثاني: 
وهو بعنوان تسبيح الأشياء ( المادة) وفي مبحثه الأول يتطرق الى مفهوم التسبيح من خلال الفهم الدقيق لمضمون الآيات  الكريمة  قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَان مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ انهُ كَان حَلِيماً غَفُوراً} الإسراء: 44
 { سبح لله ما في السمات والأرض وه والعزيز الحكيم }الحديد1
وقد بينت الآيات الكريمات  ان مصطلح التسبيح الخاص بالأشياء  يعني  الحركة وان كل شيء في حالة سير وحركة (يسبح) من الذرة إلى المجرة ومن البعوضة إلى الانسان ، وهذا التعريف مدعم بأدلة من القرآن    الكريم ، والمعنى اللغوي لكلمة (سبح) ، أي ان إطلاق مفهوم التسبيح على الأشياء  (المادية) جاء بمعنى الحركة الكامنة في هذه الأشياء ، وهذه الحركة  هي ذاتها التسبيح 0 وقد تركز المبحث الأول من هذا الفصل في شرح جوهر هذه الآيات الكريمات وصولا إلى استنتاج مفاده  انها تشير إلى ان " التسبيح " - الحركة - هي سمة " الأشياء" أي  الوجود المادي والعضوي " الأحياء " ، وهذه الحركة لابد لها من هدف كلي مطلق لا يدركه العقل البشري إلا بما أتاح الله له من علم نسبي. و ان فهم التسبيح  يعتمد على  واقع الوعي الانساني ، والقاعدة العلمية المعرفية  في كل زمان على حدا ، أي ان التسبيح والذي يعني  " حركة الوجود " يتطور بتوازي مع تطور الفكر و المعرفية الانسانية  لكل عصر، و فهم التسبيح نسبي مهما بلغ تطور القاعدة العلمية  والمعرفية للانسانية  ولهذا قال تعالى:{ لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ }
ويتضمن هذا  الفصل قوانين الحركة الأساسية وهي التسبيح الداخلي للأشياء "المادة "  تناقضها الداخلي وقانون التطور،و أهم هذه القوانين هي قانون التناقض الداخلي، و التطور،  والأضداد ، والتأثير والتأثر, ووحدة الأصل.
لقد تطرق القرآن  الكريم إلى هذه القوانين بشكل جلي ومعجز  وذلك من خلال الآيات الكريمات التي تطرقت إلى الخلق والوجود والكون وهذا تماما ما يفصله هذا المبحث وصولا إلى خلاصة مفادها ، ان قانون التناقض الداخلي، يعبر عن الوحدة الداخلية للأشياء و تناقضها و يعطينا فهما دقيقا لمفهوم التسبيح، و هذا القانون المادي لا ينحصر في تعدد إشكال الحركة ، بل يربط الحركة بالتغير وتطور الأجسام  وولادة الجديد واندثار القديم.معتمدا القرآن    الكريم في استخلاص هذا الاستنتاج وقد تطرق هذا المبحث إلى مفهومي الصنوان والمعروشات من خلال انسجامها مع هذه القوانين. ومن ثم تطرق هذا المبحث الهام من الكتاب إلى مفهوم السجود مستخلصا ان السجود هو التوازن  والانسجام والتكييف و التكيف بين الأزواج المادية ، أو العضوية ، وهو لحظي قال تعالى : {ان الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }الأعراف206- تبين الآية الكريمة ان التسبيح يأتي قبل السجود ، وهذا يبرهن ان السجود جزء لا يتجزءً من التسبيح ، وهو يأتي نتيجة طبيعية لهذا التسبيح قال تعالى : { ولله يسجد مافي السموات وما في الأرض}.النحل  ان التوازن في المادة أي السجود هو سجود لحظي وقصير جدا بالمقارنة مع عمر الزمان ،لان الزمان بدأ منذ الخلق وينتهي عند نفخ الصور فلحظات السجود المادي تتطابق مع لحظة سجود العاقل في الصلاة مثلا، فهي تعبير من المؤمن عن انسجامه مع قانون التسبيح العام ، وتنبيه من الله للمؤمنين إلى وحدة الوجود ووحدانية الخالق عز وجل  {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }الإخلاص1
الفصل الثالث:
التسبيح الخارجي للأشياء (الأزواج)
في هذا الفصل يتطرق الكتاب إلى التسبيح بشكله الآخر – أي الخارجي – و هو تسبيح الأزواج و يخلص إلى نتيجة مفادها ان الأشياء في الوجود ترتبط  بعلاقة تقابليه خارجية (زوجية ) آي ان الأشياء لا يمكن ان تكون منعزلة عن بعضها البعض ،  والتأثير والتأثر فيما بينها " يحكمه  مستويات هذه العلاقات وتعددها" ، وهذا التعدد مرتبط بتعدد الأشياء في الوجود والتي لا يمكن حصرها ، وهذا القانون مرتبط أيضا بمدى تأثير الشيء على الشيء المقابل له، والمرتبط معه بعلاقة ما ، ومرتبط أيضا وهنا الأهم بمستوى تكيفه، ملاءمته، و استمرار يته .

الفصل الرابع :
فهو بعنوان نهاية التسبيح الداخلي للأشياء ، وفي هذا الفصل نتطرق إلى الفروق بين " يوم الفصل " و" القيامة والبعث " وعن الإشارات التي وردت في القرآن    الكريم عن القوانين التي  تحكم يوم الفصل، أي فصل الأشياء عن القوانين الناظمة لوجودها  , فالوجود سيستمر في تغير شكله وصيرورته من القديم إلى الجديد ، و نهاية التسبيح ، تعني  ظهور كون جديد ،  يختلف في خواص وسماته وقوانينه وظواهره ، وترابط علاقاته عن الوجود المادي الحالي ، و المعروف لدينا ونتطرق أيضا في هذا الفصل إلى  سمات المادة بعد البعث أي بعد النفخة الثانية في الصور0
الباب الثاني:
في هذا الكتاب  بعنوان التسبيح العاقل وهو بجوهره يقدم أساسا جديدا لصياغة نظرية معرفية قرآنية ، ويضع لها هدفا لأول مرة في التاريخ و هو تنزيه الله عقلا عن القوانين الوجودية المدركة وغير المدركة لدينا ،بمعنى  كيف استطاع الدماغ الانساني الوصول إلى تنزيه الله عن هذه القوانين الوجودية مع ان هذه القوانين هي ذاتها النواميس الوجودية  التي تتحكم في عمل الدماغ  نفسه ؟؟
وفي سياق هذا الباب نتطرق إلى خلق ادم و وننفي من خلاله التفريق بين مفهومي البشر والانسان.
الفصل الثاني من هذا الكتاب يتطرق إلى مفهوم القلب في القرآن    الكريم –أي الدماغ- و يجيب عن سؤال محير "لماذا ذكر الله الأذن و الشفتين و العينين و اللسان و السمع و البصر و الفؤاد ... و لم يذكر أشرف هذه الأعضاء وهو الدماغ؟" وكيف تدرج تطور الدماغ الانساني من خلال الامامية والنذر و الوحي وحركة (تسبيح )الدماغ وتراكم المعرفة الانسانية  وصولا إلى الاقتراب النسبي من فهم علم الله الكلي  وهو ما يتطرق إليه الكتاب في الباب الثالث  0 
 الباب الثالث :
يتطرق إلى  محورية علم الله الشمولي الكلي ونقول ان علم الله تعالى هو سقف العلم وطلاقته ، فهو علم تجريدي مطلق ، لانه لا يخضع لمداخل المعرفة الحسية ( السمع والبصر...الخ)   ، أي ( مجرد عن الحواس )، والتي بدونها لا يمكن ان تتكون العلوم والمعرفة الانسانية ، لان الحواس ضرورية لناقصي المعرفة ، حتى يستطيعوا من خلالها معرفة العالم الموضوعي  المحيط واكتشاف قوانينه ، والله تعالى كامل المعرفة، ولهذا فان علمه ( علم تجريدي مطلق) قال تعالى {لِيَعْلَمَ ان قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }الجن 28
و يتطرق هذا الباب  أيضا  إلى علم الله الكامل بكلية الاحتمالات التي يمكن ان يسلكها الانسان  
و علم الله الكامل باحداث مسبقة وجارية بكليتها وجزئيتها .
أيضا نتطرق في هذا الباب إلى  نظرة جديدة إلى الأعمار والأرزاق  والإذن والمشيئة واليقين والاحتمال والقضاء والقدر والمقدار .
اما في الملحق فقد أردنا ان نغني القارئ بمختصرات لما جاء على لسان الفلاسفة منذ العصور الغابرة و حتى اليوم في نظرتهم إلى الله Y  من خلال الاستدلال و الإدراك و المعرفة و الوجود حتى يتسنى للقارئ الكريم ان يطّلع و لو بشكل عام و مختصر عن ما كتبه فحول الفلسفة عن هذه المصطلحات .
لقد أردنا من هذا الكتاب حسن الفهم عن القرآن    فإذاً زلّ قلمنا فنستغفر الله Y و نسأله ان يمن علينا برجال صالحين يرون قصورنا فيصوّبوننا و يزيدون علينا فنشكرهم و ندعوا لهم ، و ان أصبنا فنرجو الرحمة و المغفرة من الله U.
كما أسلفنا ،  ان الفكر الانساني على مر العصور حمل في طياته الغث والثمين وفيه الحق والباطل والوهم والحقيقة ، وقد كرمنا الله U بسلاح يحمل الأجوبة الشافية على هذا الالتباس الحاصل في هذا الفكر، ولكن هذا السلاح يتطلب رؤية جديدة تستطيع ان تتعامل مع مفردات العصر دون خوف أو وجل أو هروب نحو الغيبية في  مواجهة الواقع المعاصر، وذلك لاننا  نملك الإجابة الواقعية المدركة و الحتمية عن كل التساؤلاتاذا نظرنا بإمعان وتفحص إلى الدلالات الروحية والعلمية والفلسفية والمعرفية والتاريخية للقرآن الكريم بتجرد من العواطف الجياشة والاحكام  المسبقة  0  
القارئ الكريم:
 يحتوي هذا الكتاب بين طياته ثلاثة أبواب  وملحق وللتسهيل على القارئ سنقدم  مختصرا مفيدا قدر الإمكان في هذه المقدمة ليتسنى له الإطلالة العامة على كل باب وفصل ومبحث ، ونبدأ من  الباب الأول  
   الباب الأول:
  يتضمن أربعة فصول الفصل الأول  بعنوان شروح في المصطلحات وهو يتطرق إلى نظرة جديدة لكثير من المفاهيم والمصطلحات التي يحتويها المصحف الشريف بين دفتيه وهي  ثلاثة عشر مصطلحا (مفاهيم)  "الكتاب" ، " الآيات المحكمات " ، "القرآن   " ، "الامام المبين" ، "كلمات الله " ،"الآيات البينات" ، "البصائر" ، "السبع المثاني" ، "الكتاب المبارك ،" القرآن    كحديث"،" القصص" ، "الفرقان"،  "والذكر" وسيلاحظ القارئ انه وفي سياق التطرق إلى هذه المفاهيم سيتعرف إلى مفاهيم أخرى مثل: الرسالة ، النبوة الحق، التشابه ، القول الكلام وهكذا...ان فهم هذه المفاهيم يخدم النهج والنسق والأسلوب المتبع في هذا المشروع، لان استيعاب هذه المصطلحات يشكل رافعة معرفية ضرورية تؤدي إلى فهم أكثر عمقا وشمولية لجوهر نظرية التسبيح في القرآن    الكريم0
الفصل الثاني: 
وهو بعنوان تسبيح الأشياء ( المادة) وفي مبحثه الأول يتطرق الى مفهوم التسبيح من خلال الفهم الدقيق لمضمون الآيات  الكريمة  قال تعالى:
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَان مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ انهُ كَان حَلِيماً غَفُوراً} الإسراء: 44
 { سبح لله ما في السمات والأرض وه والعزيز الحكيم }الحديد1
وقد بينت الآيات الكريمات  ان مصطلح التسبيح الخاص بالأشياء  يعني  الحركة وان كل شيء في حالة سير وحركة (يسبح) من الذرة إلى المجرة ومن البعوضة إلى الانسان ، وهذا التعريف مدعم بأدلة من القرآن    الكريم ، والمعنى اللغوي لكلمة (سبح) ، أي ان إطلاق مفهوم التسبيح على الأشياء  (المادية) جاء بمعنى الحركة الكامنة في هذه الأشياء ، وهذه الحركة  هي ذاتها التسبيح 0 وقد تركز المبحث الأول من هذا الفصل في شرح جوهر هذه الآيات الكريمات وصولا إلى استنتاج مفاده  انها تشير إلى ان " التسبيح " - الحركة - هي سمة " الأشياء" أي  الوجود المادي والعضوي " الأحياء " ، وهذه الحركة لابد لها من هدف كلي مطلق لا يدركه العقل البشري إلا بما أتاح الله له من علم نسبي. و ان فهم التسبيح  يعتمد على  واقع الوعي الانساني ، والقاعدة العلمية المعرفية  في كل زمان على حدا ، أي ان التسبيح والذي يعني  " حركة الوجود " يتطور بتوازي مع تطور الفكر و المعرفية الانسانية  لكل عصر، و فهم التسبيح نسبي مهما بلغ تطور القاعدة العلمية  والمعرفية للانسانية  ولهذا قال تعالى:{ لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ }
ويتضمن هذا  الفصل قوانين الحركة الأساسية وهي التسبيح الداخلي للأشياء "المادة "  تناقضها الداخلي وقانون التطور،و أهم هذه القوانين هي قانون التناقض الداخلي، و التطور،  والأضداد ، والتأثير والتأثر, ووحدة الأصل.
لقد تطرق القرآن    الكريم إلى هذه القوانين بشكل جلي ومعجز  وذلك من خلال الآيات الكريمات التي تطرقت إلى الخلق والوجود والكون وهذا تماما ما يفصله هذا المبحث وصولا إلى خلاصة مفادها ، ان قانون التناقض الداخلي، يعبر عن الوحدة الداخلية للأشياء و تناقضها و يعطينا فهما دقيقا لمفهوم التسبيح، و هذا القانون المادي لا ينحصر في تعدد إشكال الحركة ، بل يربط الحركة بالتغير وتطور الأجسام  وولادة الجديد واندثار القديم.معتمدا القرآن    الكريم في استخلاص هذا الاستنتاج وقد تطرق هذا المبحث إلى مفهومي الصنوان والمعروشات من خلال انسجامها مع هذه القوانين. ومن ثم تطرق هذا المبحث الهام من الكتاب إلى مفهوم السجود مستخلصا ان السجود هو التوازن  والانسجام والتكييف و التكيف بين الأزواج المادية ، أو العضوية ، وهو لحظي قال تعالى : {ان الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }الأعراف206- تبين الآية الكريمة ان التسبيح يأتي قبل السجود ، وهذا يبرهن ان السجود جزء لا يتجزءً من التسبيح ، وهو يأتي نتيجة طبيعية لهذا التسبيح قال تعالى : { ولله يسجد مافي السموات وما في الأرض}.النحل  ان التوازن في المادة أي السجود هو سجود لحظي وقصير جدا بالمقارنة مع عمر الزمان ،لان الزمان بدأ منذ الخلق وينتهي عند نفخ الصور فلحظات السجود المادي تتطابق مع لحظة سجود العاقل في الصلاة مثلا، فهي تعبير من المؤمن عن انسجامه مع قانون التسبيح العام ، وتنبيه من الله للمؤمنين إلى وحدة الوجود ووحدانية الخالق عز وجل  {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }الإخلاص1
الفصل الثالث:
التسبيح الخارجي للأشياء (الأزواج)
في هذا الفصل يتطرق الكتاب إلى التسبيح بشكله الآخر – أي الخارجي – و هو تسبيح الأزواج و يخلص إلى نتيجة مفادها ان الأشياء في الوجود ترتبط  بعلاقة تقابليه خارجية (زوجية ) آي ان الأشياء لا يمكن ان تكون منعزلة عن بعضها البعض ،  والتأثير والتأثر فيما بينها " يحكمه  مستويات هذه العلاقات وتعددها" ، وهذا التعدد مرتبط بتعدد الأشياء في الوجود والتي لا يمكن حصرها ، وهذا القانون مرتبط أيضا بمدى تأثير الشيء على الشيء المقابل له، والمرتبط معه بعلاقة ما ، ومرتبط أيضا وهنا الأهم بمستوى تكيفه، ملاءمته، و استمرار يته .

الفصل الرابع :
فهو بعنوان نهاية التسبيح الداخلي للأشياء ، وفي هذا الفصل نتطرق إلى الفروق بين " يوم الفصل " و" القيامة والبعث " وعن الإشارات التي وردت في القرآن    الكريم عن القوانين التي  تحكم يوم الفصل، أي فصل الأشياء عن القوانين الناظمة لوجودها  , فالوجود سيستمر في تغير شكله وصيرورته من القديم إلى الجديد ، و نهاية التسبيح ، تعني  ظهور كون جديد ،  يختلف في خواص وسماته وقوانينه وظواهره ، وترابط علاقاته عن الوجود المادي الحالي ، و المعروف لدينا ونتطرق أيضا في هذا الفصل إلى  سمات المادة بعد البعث أي بعد النفخة الثانية في الصور0
الباب الثاني في هذا الكتاب  بعنوان التسبيح العاقل وهو بجوهره يقدم أساسا جديدا لصياغة نظرية معرفية قرآنية ، ويضع لها هدفا لأول مرة في التاريخ و هو تنزيه الله عقلا عن القوانين الوجودية المدركة وغير المدركة لدينا ،بمعنى  كيف استطاع الدماغ الانساني الوصول إلى تنزيه الله عن هذه القوانين الوجودية مع ان هذه القوانين هي ذاتها النواميس الوجودية  التي تتحكم في عمل الدماغ  نفسه ؟؟
وفي سياق هذا الباب نتطرق إلى خلق ادم و وننفي من خلاله التفريق بين مفهومي البشر والانسان.
الفصل الثاني:
 يتطرق إلى مفهوم القلب في القرآن    الكريم –أي الدماغ- و يجيب عن سؤال محير "لماذا ذكر الله الأذن و الشفتين و العينين و اللسان و السمع و البصر و الفؤاد ... و لم يذكر أشرف هذه الأعضاء وهو الدماغ؟" وكيف تدرج تطور الدماغ الانساني من خلال الامامية والنذر و الوحي وحركة (تسبيح )الدماغ وتراكم المعرفة الانسانية  وصولا إلى الاقتراب النسبي من فهم علم الله الكلي  وهو ما يتطرق إليه الكتاب في الباب الثالث  0 
 الباب الثالث :
يتطرق إلى  محورية علم الله الشمولي الكلي ونقول ان علم الله تعالى هو سقف العلم وطلاقته ، فهو علم تجريدي مطلق ، لانه لا يخضع لمداخل المعرفة الحسية ( السمع والبصر...الخ)   ، أي ( مجرد عن الحواس )، والتي بدونها لا يمكن ان تتكون العلوم والمعرفة الانسانية ، لان الحواس ضرورية لناقصي المعرفة ، حتى يستطيعوا من خلالها معرفة العالم الموضوعي  المحيط واكتشاف قوانينه ، والله تعالى كامل المعرفة، ولهذا فان علمه ( علم تجريدي مطلق) قال تعالى {لِيَعْلَمَ ان قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }الجن 28
و يتطرق هذا الباب  أيضا  إلى علم الله الكامل بكلية الاحتمالات التي يمكن ان يسلكها الانسان  
و علم الله الكامل باحداث مسبقة وجارية بكليتها وجزئيتها .
أيضا نتطرق في هذا الباب إلى  نظرة جديدة إلى الأعمار والأرزاق  والإذن والمشيئة واليقين والاحتمال والقضاء والقدر والمقدار .
اما في الملحق فقد أردنا ان نغني القارئ بمختصرات لما جاء على لسان الفلاسفة منذ العصور الغابرة و حتى اليوم في نظرتهم إلى الله Y  من خلال الاستدلال و الإدراك و المعرفة و الوجود حتى يتسنى للقارئ الكريم ان يطّلع و لو بشكل عام و مختصر عن ما كتبه فحول الفلسفة عن هذه المصطلحات .
لقد أردنا من هذا الكتاب حسن الفهم عن القرآن    فإذاً زلّ قلمنا فنستغفر الله Y و نسأله ان يمن علينا برجال صالحين يرون قصورنا فيصوّبوننا و يزيدون علينا فنشكرهم و ندعوا لهم ، و ان أصبنا فنرجو الرحمة و المغفرة من الله U.

نظرية التسبيح في القرلن الكريم

نظرية التسبيح في القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم                                نظرية التسبيح في القرآن الكريم  تاليف : د /عصام فوزي الجبال نظرية التسبيح ف...